تاريخ هذه الأُمَّة ليس فقط سياسة الخلفاء والسلاطين؛ فالفكر الذى أَبدع الحضارة، هو أعظم إنجازات الإسلام والمسلمين؛ بل هو صانع السياسة والخلفاء والسلاطين. ولن ندرك حقيقة تاريخنا الحضاري، إلا إذا أدركنا حقيقة التيارات والمدارس والمذاهب الفكرية التي صنعته، والتي تصارعت فيه! بل إننا لن ندرك تيارات (الصحوة الإسلامية ) المعاصرة، إلا بإدراك جذورها في هذا التاريخ؛ فمن: (الخوارج ) إلى تيار (الجامعة الإسلامية )، مرورًا بـ (المُرْجِئَة ) و (المعتزلة ) و (الزيدية ) و( السلفية ) و (الأشعرية ) و (الشيعة ) و (الوهابية )؛ يُقَدّم هذا الكتاب خريطة التيارات الفكرية التي صَنعت حضارة الإسلام، محدِّدًا فيها: (طاقات التقدم ) و (قيود التخلف والجمود )، وهو (نافذة ) للوعى بالتاريخ، وسبيل لاستشراف المستقبل الإسلامي المنشود.
كان انشقاق الخوارج على عهد خلافة (علي بن أبي طالب ) في (سنة ۳۷ ه )، وإبان صراعه ضد (معاوية بن أبي سفيان ) وأنصاره، نقطة تحول في الماهية والطبيعة التي أضفيت على الصراعات التي حفلت بها حياة العرب المسلمين؛ فهم لَم يقفوا بخلافهم مع خصومهم عند الحدود السياسية، بل أضفوا عليه طابعًا من الدِّين، وذلك عندما زعموا أنهم هم المؤمنون، وأنَّ مَن عداهم قد مَرق من الدين مروق السهم من قوسه، وزادت الطامة وعَمَّت البلية، عندما استَخدم خصومهم ذات السلاح؛ فأصبحت سائر فِرق الإسلام تقريبًا، تضفِي على مبادئها السياسية وآرائها الفكرية والاجتماعية صبغة من الدِّين وعقائده؛ انسياقًا مع تيار سلطان العقيدة الدينية الجارفة حينًا، وتملُّقًا للعامة، واستجلابًا لتأييدها في أغلب الأحايين.
وخصومهم هم الذين سموهم (الخوارج )؛ لخروجهم - في رأيهم - على أئمة الحق والعدل، ولثورتهم المستمرة. والخروج يعني (الثورة ) في العرف اللغوي، ولَمّا شاع هذا الاسم قَبِلوه، وقالوا إنَّ خروجهم إنما هو على أئمة الجور والفسق والضعف.
يَحكم الخوارج على الذين يموتون مرتكبين لكبائر - دون أنْ يتوبوا منها - بالكفر والخلود في النار، ولقد تبلور هذا الأصل من أصولهم الفكرية في الصراع الفكري - بل والمسلح - ضد بني أمية، وخاصة خلال الثورة التي قادها الأزارقة، تحت قيادة (نافع بن الأزرق ) في (65 ه -۹۸۰م )، عندما طُرحت أحداث الصراع ضد الدولة الأموية على بساط الحركة الفكرية. والقضية بدأت بسؤال: هل الحكام الذين ارتَكبوا كل هذه الكبائر واقترفوا – ويقترفون - كل تلك المظالم، واجترحوا - ويجترحون - كل هذه السيئات، هل هم مؤمنون ؟! أم كافرون ؟! أم منافقون ؟! أم هُم في منزلة بين منزلتي الكفر والإيمان ؟!
وقد انحاز الخوارج - اتساقًا مع (غُلُوّهم ) النابع من (مثاليتهم المغالية ) - إلى القول بالتكفير؛ فبدءوا بتكفير الدولة، ثُم عمموه فشمل سائر المخالفين! والغلاة منهم قد جعلوه (كُفْرًا وشِرْكًا )، أمَّا المعتدلون فقالوا: إنه فقط (كُفْر نِعمة )، أي جحودٌ بأَنعُمِ الله.
لقد أدَّت ثورات الخوارج المتكررة، إلى إضعاف الدولة الأموية واستنزاف قواها، كما نمَّت مِن عدد الفِرق والأحزاب المعارضة والمناهضة للأمويين، وكان أن اتسعت دائرة الثورة الخارجية بين الناس؛ فلم تَعُد قاصرة على قلة من الناس يؤمنون بفكر هذه الفِرقة، ويثورون تطبيقا لهذا الفكر، وإنما شاركت جماهير غفيرة في هذه الثورات والتمردات والانتفاضات.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان